- فيروز الديلمي
صفحة 1 من اصل 1
- فيروز الديلمي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
* لمااشْتكى ( مرض وتألم ) رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدَ عَودتهِ منحجَّةِ الوداعِ، وطارتْ الأخبارُ في أرجاءِ الجزيرةِ بمرضهِ، ارتدَّ عنالإسلام الأسودُ العنسيُّ في اليمنِ، ومُسيلمةُ الكذابُ في اليمامَةِ،وطليحة الأسَديُّ في بلادِ بني أسدَ، وزَعمَ الثلاثة الكذابون أنهمأنبياءُ أرسِلَ كلٌ مِنهمْ إلى قومِه كما أرسِل محمدُ بنُ عبدِ الله إلىقُريشٍ.
* * *
- كانالأسودُ العنسِيُّ كاهناً مشعوذاً ( الذي يستعمل الشعوذة، وهي خفة في اليدوأعمال كالسحر تري الشيء للعين بغير ما هو عليه ) أسودَ النفسِ مُستطيرَالشرِّ، شديدَ القوةِ، ضخمَ الهيكلِ.
وكانإلى ذلك فصيحاً يَخلبُ الألبابَ ببيانِه، داهيةً قادراً على اللعِبِبعقولِ العامَّة بأباطيلهِ، وإغراءِ الخاصةِ بالمالِ والجاهِ والمناصب.
وكان لا يظهرُ للناسِ إلا مُقنعاً لإحاطةِ نفسهِ بهالةٍ من الغُموضِ والهيبة.
* * *
- وكان النفوذ في اليمنِ إذ ذاكَ " للأبناءِ "، وعلى رأسِهم فيروزُ الديلميُّ صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
و" الأبناءُ " اسمٌ يطلقُ على جماعةٍ من الناسِ آباؤهم من الفُرسِ الذين نزحوا من بِلادهم إلى اليمن، وأمهاتهم من العرب.
وقدكان كبيرُهم " باذانُ " عندَ ظهور الإسلامِ ملكاً على اليمن من قبلِ كسرىعظيمِ الفُرسِ، فلما استبانَ له صدقُ الرسولِ وسموُّ دعوتهِ خلعَ طاعةَكِسرى ودخلَ هو وقومُه في دين الله، فأقرهُ النبيُّ على مُلكه، وظل فيهإلى أن مات قُبيل ظهورِ الأسود العنسيِّ بزمنٍ يسيرٍ.
* * *
- وكانأولَ من استجابَ لدعوةِ الأسودِ العنسيِّ قومُه بنو مذحجٍ، فوثبَ بهم علىصنعَاءَ، وقتَل واليها " شهرَ بنَ باذانَ " وتزوج من امرأته " آذادَ ".
ثموثبَ من صنعاءَ على المناطقِ الأخرى، فَجعَلتْ تتهاوى تحتَ ضرباته بسرعةٍمذهلةٍ حتى دانت له البلادُ الواقعة بينَ حضرموتَ إلى الطائفِ، وما بينالبحرينِ والأحْساءِ إلى عدن...
* * *
- وكانممَّا ساعدَ الأسودَ العنسيَّ على خداعِ الناسِ واستِمالتهم إليه دهاؤهالذي لا حُدودَ له، فقد زعمَ لأتباعهِ أنَّ له ملكاً ينزلُ عليه بالوَحيِوينبِّئه بالمغيباتِ....
وكانيُؤكدُ هذا الزعمَ بعُيونهِ ( الجواسيس ) الذين بَثهم في كل مكانٍ،لِيقفوا على أخبارِ الناسِ، ويَنفُذوا إلى أسرارهم، ويَتعرفوا إلىمُشكلاتِهم ويكشِفُوا عمَّا يَتلجلج في صُدورِهم من الأماني والآمال، ثميأتوه بها سِراً.
فكانيُواجهُ كلَّ ذي حاجةٍ بحاجتهِ، ويبدأ كل صاحبِ مُشكلةٍ بمشكلتهِ، ويأتيلأتباعهِ من العجائبِ والغرائبِ ما يُذهلُ عُقولهُم ويُحيِّر أفهامَهم....حتى غلظَ ( اشتد وقوي ) أمرُه، واستطارَت ( ذاعت وعمت وطارت في الآفاق )دعوَتهُ كما تسيِطرُ النارُ المُستعِرةُ في الهشِيمِ اليابسِ.
* * *
- ماكادَت تبلغُ النبيَّ صلوات الله عليه أنباءُ ردَّةِ الأسودِ العنسيِّووثوبهِ على اليمنِ حتى سَيرَّ نحو عشرةٍ من أصحابهِ برسائل إلى منيتوسَّمُ ( يأمل ويتوقع ) فيهم الخير من أصحابِ السابقةِ في اليمن...يَحُضهمْ فيها على مُواجهةِ هذه الفتنةِ العمياءِ بالإيمانِ والحزمِ،ويأمُرهُم بالتّخلصِ من الأسودِ العنسيِّ بأيِّ وسيلة....
فما من أحدٍ بلغتهُ رسالة النبيِّ إلا لبَّى دعوتهَ، وهبَّ لإنفاذِ أمرهِ.
وكان أسبقَ الناسِ استجابةً لندائهِ بطلُ قصتِنا فَيروزُ الديلميُّ ومن معهُ من " الأبناء ".
فلنترُك الكلامَ له ليرويَ لنا قِصتهُ الفذة الرائِعة.
- قال فيروز: لم نشك - أنا ومن معي من " الأبناء " لحظةً في دينِ الله، ولا وقعَ في قلبِ أيّ منا تَصديقٌ لعدوِّ الله.
وكنا نَتحيّنُ الفرصَ للوُثوبِ عليهِ والتخلصِ منهُ بكلِّ سبيل.
فلماوَردتْ علينا وعلى أصحابِ السابقةِ من المؤمنين كُتُبُ رسولِ الله صلىالله عليه وسلم تقوى بعضُنا ببعضٍ وهبَّ كل مِنا يعملُ في جهتهِ...
* * *
- وكانالأسودُ العَنسيُّ قد داخلهُ الغُرورُ والكِبرُ لما أصابَ من نجاحٍ،فَتاهَ ( تكبر ) على قائدِ جيشهِ قيسِ بنِ عبدِ يَغوثَ وتجبرَ، وتغيرَّ فيمعاملتهِ له حتى صارَ قيسٌ لا يأمنُ على نفسهِ من بطشهِ.
فمضيتُإليه وأنا وابنُ عمي " داذوية " وأبلغناهُ رسالةَ النبيِّ عليه الصلاةوالسلام، ودعوناهُ لأن يتغدَّى بالرجُل قبلَ أن يتعشى به.
فانشرح لِدعوتنا صدرهُ، وكشفَ لنا عن سِرِّه، ورآنا كأننا هبَطنا عليه من السماء.
فتَعاهدنا نَحنُ الثلاثة على أن نتَصدى لِلمُرتدِّ الكذابِ من الداخلِ بينما يتصدى له إخواننا الآخرون من الخارج.
واستقر رأينا على أن نشرك معنا ابنة عمي "آذار" التي تزوج بها الأسود العنسيّ بعد قتلِ زوجها " شهرِ بنِ باذان ".
* * *
- مَضيتُإلى قصرِ الأسودِ العنسيّ والتقيتُ بابنةِ عمي " آذاد" وقلت لها: يا بنتالعمِّ، لقد عرفتِ ما أنزلهُ هذا الرجلُ بكِ وبنا من الشرِّ والضرِّ....
فلقد قتَل زوجكِ، وفضحَ نساءَ قومكِ، وأهلك كثيراً من رجالِهم، وانتزع الأمرَ ( انتزع الولاية والسلطان ) من أيديهم.
وهذا كتابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلينا خاصةً وإلى أهلِ اليمنِ عامَّة يدعُونا فيه إلى القضَاء على هذِه الفتنةِ.
فهل لك أن تُعينينا عليه؟!
فقالت: أُعِينكم على أيِّ شيءٍ؟.
فقلت: على إخراجه ِ...
فقلت: بَل على قتلهِ...
فقلت: والله ما قصدتُ غير ذلكَ؛ ولكنِّي خشيتُ أن أواجهكِ به.
فقالت: والذي بعثَ محمداً بالحقّ بشيراً ونذيراً ما ارتبتُ في ديني طرفةَ عينٍ، وما خلقَ الله رجلاَ أبغضَ إليَّ من هذا الشيطان...
ووالله ما عَلمتهُ مُنذ رأيتهُ إلا فاجراً، أثيماً، لا يرعَى حقاً ولا ينتهِي عن منكرٍ.
فقلت: وكيف لنا بِقتلهِ؟!.
فقالت:إنه مُتحرزٌ مُتحرّسٌ ( محتاط متيقظ ) لنفسهِ، وليس في القصرِ مكانٌ إلاوالحرسُ مُحيطون به غير هذه الحجرةِ النائيةِ المهجورة ِ؛ فإنَّ ظهْرَهاإلى مكانِ كذا وكذا على البريَّةِ، فإذا أمسيتُم فانقبُوها في عَتمِةالليلِ، وستجدون في داخِلها السلاحَ والمصباح.
وستجدُونني في انِتظارِكم، ثم ادخُلوا عليه واقتلوه...
فقلت: ولكنَّ نقبَ ( حفر فتحة في الجدار ) حُجرةٍ في مثلِ هذا القصرِ ليسَ بالأمرِ الهينِ...
فقد يمرُّ بنا إنسانٌ فيهتفُ ( ينادي ويصرخ ) ويَستصرخ الحرسَ... فيكونُ ما لا تحمدُ عقباه...
فقالت: ما عَدوتَ الحقَّ ( ما جاوزته ولا ابتعدت عنه ) ولكم عِندي رأيٌ.
قلت: ما هو؟!
قالت:ترسِلُ غداً رجلاً تأتمنهُ على هيئةِ عاملٍ، فآمُرهُ أنا بِنقبِ الحُجرةِمن الداخلِ حتى لا يبقى من النقبِ إلا شيءٌ يسيرٌ. ثم تتمُّونه أنتم فيالليلِ من الخارجِ بأيسرِ الجهد.
فقلت: نِعمَ الرأي ما رأيتِ.
ثم انصرفُ وأخبرتُ صاحبيَّ بما اتفقنا عليهِ فبارَكوهُ، ومضينا من ساعتنَا نُعدُّ للأمرِ عُدته.
ثمأفضينا ( أعلمنا وأخبرنا ) إلى خاصَّة المؤمنين من أنصارنا بكلمةِ السرِّ،ودعوناهُم للتأهبِ، وجَعلنا مَوعدنَا معهُم فجرَ اليومِ التالي.
ولماجنَّ ( أظلم وستر الكون ) علينَا الليلُ، وأزِفَ ( حان ) الوقتُ المحدّدُمَضيتُ مع صاحِبيّ إلى مكانِ النقبِ فكشفنا عنهُ، وولجنًا ( دخلنا ) إلىداخلِ الحُجرة وتناولنا السلاحَ وأضَأنا المصباحَ ومَضينا نحوَ مقصورةِعدوِّ الله، فإذا ابنةُ عمي واقفة ببابها، فأشارَت إلي فدخلتُ عليه؛ فإذاهو نائمٌ يغط ( ينخر ) في نومهِ.
فأهوَيتُ بالشفرةِ على عُنقهِ؛ فخارَ خوارَ الثورِ( صاح صياح الثور)، واضطربَ اضطراب البعير المذبوحِ.
فلما سمعَ الحَرسُ خُواره؛ أقبلوا على المقصورةِ وقالوا: ما هذا؟!
فقالت لهم ابنةُ عمي: انصرفوا راشِدين، فإنَّ نبي اللهِ يوحى إليه...
فانصرفوا.....
* * *
- بقينَافي القصرِ حتى طلعَ الفجرُ، فَوقفتُ على سورٍ من أسوارهِ وهَتفتُ: اللهأكبر، الله أكبر، ومَضيتُ في الأذانِ حتى قلتُ: أشهد أن لا إله إلا اللهوأشهد أن محمدا رسول الله وأشهدُ أن الأسودَ العنسيّ كذاب....
وكانت هذه كلمةَ السرِّ.
فأقبلَ المُسلمونَ على القصرِ من كل جانبٍ، وهبَّ الحَرسُ مذعورينَ لما سَمعوا الأذان وتلاحمَ الفريقان بعضُهم ببعضٍ.
فألقيتُ إليهم برأسِ الأسودِ من فوقِ أسوارِ القصرِ...
فلمارآهُ أنصارُه وَهَنوا ( ضعفوا ) وذهبت ريحُهم ( زالت قوتهم )، ولماأبصَرهُ المؤمنون كبَّرُوا وكروا على عدوِّهم.... وقضيِ الأمرُ قبل طلوعِالشمسِ.
* * *
- ولماأسفَرَ النهارُ ( طلع النهار ) بعثنا بِكتابٍ إلى رسولِ الله نُبشرهبِمصرع عدو الله، فلما بلغ المُبشرونَ المدينة وجدُوا النبي صلواتُ اللهعليه قد فارقَ الحياة لليلتِه ( في تلك الليلة ).
غير أنَّهم ما لبِثوا أن عِلموا أن الوحي بَشرَه بمقتلِ الأسودِ العنسي في الليلةِ التي قتل فيها...
فقال عليه الصلاةُ والسلامُ لأصحابِه: ( قتِلَ الأسودُ العنسي البارحَة... قتله رجلٌ مباركٌ من أهلِ بيتٍ مُباركين...).
فقيلَ له: من هو يا رسولُ الله؟
* لمااشْتكى ( مرض وتألم ) رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدَ عَودتهِ منحجَّةِ الوداعِ، وطارتْ الأخبارُ في أرجاءِ الجزيرةِ بمرضهِ، ارتدَّ عنالإسلام الأسودُ العنسيُّ في اليمنِ، ومُسيلمةُ الكذابُ في اليمامَةِ،وطليحة الأسَديُّ في بلادِ بني أسدَ، وزَعمَ الثلاثة الكذابون أنهمأنبياءُ أرسِلَ كلٌ مِنهمْ إلى قومِه كما أرسِل محمدُ بنُ عبدِ الله إلىقُريشٍ.
* * *
- كانالأسودُ العنسِيُّ كاهناً مشعوذاً ( الذي يستعمل الشعوذة، وهي خفة في اليدوأعمال كالسحر تري الشيء للعين بغير ما هو عليه ) أسودَ النفسِ مُستطيرَالشرِّ، شديدَ القوةِ، ضخمَ الهيكلِ.
وكانإلى ذلك فصيحاً يَخلبُ الألبابَ ببيانِه، داهيةً قادراً على اللعِبِبعقولِ العامَّة بأباطيلهِ، وإغراءِ الخاصةِ بالمالِ والجاهِ والمناصب.
وكان لا يظهرُ للناسِ إلا مُقنعاً لإحاطةِ نفسهِ بهالةٍ من الغُموضِ والهيبة.
* * *
- وكان النفوذ في اليمنِ إذ ذاكَ " للأبناءِ "، وعلى رأسِهم فيروزُ الديلميُّ صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
و" الأبناءُ " اسمٌ يطلقُ على جماعةٍ من الناسِ آباؤهم من الفُرسِ الذين نزحوا من بِلادهم إلى اليمن، وأمهاتهم من العرب.
وقدكان كبيرُهم " باذانُ " عندَ ظهور الإسلامِ ملكاً على اليمن من قبلِ كسرىعظيمِ الفُرسِ، فلما استبانَ له صدقُ الرسولِ وسموُّ دعوتهِ خلعَ طاعةَكِسرى ودخلَ هو وقومُه في دين الله، فأقرهُ النبيُّ على مُلكه، وظل فيهإلى أن مات قُبيل ظهورِ الأسود العنسيِّ بزمنٍ يسيرٍ.
* * *
- وكانأولَ من استجابَ لدعوةِ الأسودِ العنسيِّ قومُه بنو مذحجٍ، فوثبَ بهم علىصنعَاءَ، وقتَل واليها " شهرَ بنَ باذانَ " وتزوج من امرأته " آذادَ ".
ثموثبَ من صنعاءَ على المناطقِ الأخرى، فَجعَلتْ تتهاوى تحتَ ضرباته بسرعةٍمذهلةٍ حتى دانت له البلادُ الواقعة بينَ حضرموتَ إلى الطائفِ، وما بينالبحرينِ والأحْساءِ إلى عدن...
* * *
- وكانممَّا ساعدَ الأسودَ العنسيَّ على خداعِ الناسِ واستِمالتهم إليه دهاؤهالذي لا حُدودَ له، فقد زعمَ لأتباعهِ أنَّ له ملكاً ينزلُ عليه بالوَحيِوينبِّئه بالمغيباتِ....
وكانيُؤكدُ هذا الزعمَ بعُيونهِ ( الجواسيس ) الذين بَثهم في كل مكانٍ،لِيقفوا على أخبارِ الناسِ، ويَنفُذوا إلى أسرارهم، ويَتعرفوا إلىمُشكلاتِهم ويكشِفُوا عمَّا يَتلجلج في صُدورِهم من الأماني والآمال، ثميأتوه بها سِراً.
فكانيُواجهُ كلَّ ذي حاجةٍ بحاجتهِ، ويبدأ كل صاحبِ مُشكلةٍ بمشكلتهِ، ويأتيلأتباعهِ من العجائبِ والغرائبِ ما يُذهلُ عُقولهُم ويُحيِّر أفهامَهم....حتى غلظَ ( اشتد وقوي ) أمرُه، واستطارَت ( ذاعت وعمت وطارت في الآفاق )دعوَتهُ كما تسيِطرُ النارُ المُستعِرةُ في الهشِيمِ اليابسِ.
* * *
- ماكادَت تبلغُ النبيَّ صلوات الله عليه أنباءُ ردَّةِ الأسودِ العنسيِّووثوبهِ على اليمنِ حتى سَيرَّ نحو عشرةٍ من أصحابهِ برسائل إلى منيتوسَّمُ ( يأمل ويتوقع ) فيهم الخير من أصحابِ السابقةِ في اليمن...يَحُضهمْ فيها على مُواجهةِ هذه الفتنةِ العمياءِ بالإيمانِ والحزمِ،ويأمُرهُم بالتّخلصِ من الأسودِ العنسيِّ بأيِّ وسيلة....
فما من أحدٍ بلغتهُ رسالة النبيِّ إلا لبَّى دعوتهَ، وهبَّ لإنفاذِ أمرهِ.
وكان أسبقَ الناسِ استجابةً لندائهِ بطلُ قصتِنا فَيروزُ الديلميُّ ومن معهُ من " الأبناء ".
فلنترُك الكلامَ له ليرويَ لنا قِصتهُ الفذة الرائِعة.
- قال فيروز: لم نشك - أنا ومن معي من " الأبناء " لحظةً في دينِ الله، ولا وقعَ في قلبِ أيّ منا تَصديقٌ لعدوِّ الله.
وكنا نَتحيّنُ الفرصَ للوُثوبِ عليهِ والتخلصِ منهُ بكلِّ سبيل.
فلماوَردتْ علينا وعلى أصحابِ السابقةِ من المؤمنين كُتُبُ رسولِ الله صلىالله عليه وسلم تقوى بعضُنا ببعضٍ وهبَّ كل مِنا يعملُ في جهتهِ...
* * *
- وكانالأسودُ العَنسيُّ قد داخلهُ الغُرورُ والكِبرُ لما أصابَ من نجاحٍ،فَتاهَ ( تكبر ) على قائدِ جيشهِ قيسِ بنِ عبدِ يَغوثَ وتجبرَ، وتغيرَّ فيمعاملتهِ له حتى صارَ قيسٌ لا يأمنُ على نفسهِ من بطشهِ.
فمضيتُإليه وأنا وابنُ عمي " داذوية " وأبلغناهُ رسالةَ النبيِّ عليه الصلاةوالسلام، ودعوناهُ لأن يتغدَّى بالرجُل قبلَ أن يتعشى به.
فانشرح لِدعوتنا صدرهُ، وكشفَ لنا عن سِرِّه، ورآنا كأننا هبَطنا عليه من السماء.
فتَعاهدنا نَحنُ الثلاثة على أن نتَصدى لِلمُرتدِّ الكذابِ من الداخلِ بينما يتصدى له إخواننا الآخرون من الخارج.
واستقر رأينا على أن نشرك معنا ابنة عمي "آذار" التي تزوج بها الأسود العنسيّ بعد قتلِ زوجها " شهرِ بنِ باذان ".
* * *
- مَضيتُإلى قصرِ الأسودِ العنسيّ والتقيتُ بابنةِ عمي " آذاد" وقلت لها: يا بنتالعمِّ، لقد عرفتِ ما أنزلهُ هذا الرجلُ بكِ وبنا من الشرِّ والضرِّ....
فلقد قتَل زوجكِ، وفضحَ نساءَ قومكِ، وأهلك كثيراً من رجالِهم، وانتزع الأمرَ ( انتزع الولاية والسلطان ) من أيديهم.
وهذا كتابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلينا خاصةً وإلى أهلِ اليمنِ عامَّة يدعُونا فيه إلى القضَاء على هذِه الفتنةِ.
فهل لك أن تُعينينا عليه؟!
فقالت: أُعِينكم على أيِّ شيءٍ؟.
فقلت: على إخراجه ِ...
فقلت: بَل على قتلهِ...
فقلت: والله ما قصدتُ غير ذلكَ؛ ولكنِّي خشيتُ أن أواجهكِ به.
فقالت: والذي بعثَ محمداً بالحقّ بشيراً ونذيراً ما ارتبتُ في ديني طرفةَ عينٍ، وما خلقَ الله رجلاَ أبغضَ إليَّ من هذا الشيطان...
ووالله ما عَلمتهُ مُنذ رأيتهُ إلا فاجراً، أثيماً، لا يرعَى حقاً ولا ينتهِي عن منكرٍ.
فقلت: وكيف لنا بِقتلهِ؟!.
فقالت:إنه مُتحرزٌ مُتحرّسٌ ( محتاط متيقظ ) لنفسهِ، وليس في القصرِ مكانٌ إلاوالحرسُ مُحيطون به غير هذه الحجرةِ النائيةِ المهجورة ِ؛ فإنَّ ظهْرَهاإلى مكانِ كذا وكذا على البريَّةِ، فإذا أمسيتُم فانقبُوها في عَتمِةالليلِ، وستجدون في داخِلها السلاحَ والمصباح.
وستجدُونني في انِتظارِكم، ثم ادخُلوا عليه واقتلوه...
فقلت: ولكنَّ نقبَ ( حفر فتحة في الجدار ) حُجرةٍ في مثلِ هذا القصرِ ليسَ بالأمرِ الهينِ...
فقد يمرُّ بنا إنسانٌ فيهتفُ ( ينادي ويصرخ ) ويَستصرخ الحرسَ... فيكونُ ما لا تحمدُ عقباه...
فقالت: ما عَدوتَ الحقَّ ( ما جاوزته ولا ابتعدت عنه ) ولكم عِندي رأيٌ.
قلت: ما هو؟!
قالت:ترسِلُ غداً رجلاً تأتمنهُ على هيئةِ عاملٍ، فآمُرهُ أنا بِنقبِ الحُجرةِمن الداخلِ حتى لا يبقى من النقبِ إلا شيءٌ يسيرٌ. ثم تتمُّونه أنتم فيالليلِ من الخارجِ بأيسرِ الجهد.
فقلت: نِعمَ الرأي ما رأيتِ.
ثم انصرفُ وأخبرتُ صاحبيَّ بما اتفقنا عليهِ فبارَكوهُ، ومضينا من ساعتنَا نُعدُّ للأمرِ عُدته.
ثمأفضينا ( أعلمنا وأخبرنا ) إلى خاصَّة المؤمنين من أنصارنا بكلمةِ السرِّ،ودعوناهُم للتأهبِ، وجَعلنا مَوعدنَا معهُم فجرَ اليومِ التالي.
ولماجنَّ ( أظلم وستر الكون ) علينَا الليلُ، وأزِفَ ( حان ) الوقتُ المحدّدُمَضيتُ مع صاحِبيّ إلى مكانِ النقبِ فكشفنا عنهُ، وولجنًا ( دخلنا ) إلىداخلِ الحُجرة وتناولنا السلاحَ وأضَأنا المصباحَ ومَضينا نحوَ مقصورةِعدوِّ الله، فإذا ابنةُ عمي واقفة ببابها، فأشارَت إلي فدخلتُ عليه؛ فإذاهو نائمٌ يغط ( ينخر ) في نومهِ.
فأهوَيتُ بالشفرةِ على عُنقهِ؛ فخارَ خوارَ الثورِ( صاح صياح الثور)، واضطربَ اضطراب البعير المذبوحِ.
فلما سمعَ الحَرسُ خُواره؛ أقبلوا على المقصورةِ وقالوا: ما هذا؟!
فقالت لهم ابنةُ عمي: انصرفوا راشِدين، فإنَّ نبي اللهِ يوحى إليه...
فانصرفوا.....
* * *
- بقينَافي القصرِ حتى طلعَ الفجرُ، فَوقفتُ على سورٍ من أسوارهِ وهَتفتُ: اللهأكبر، الله أكبر، ومَضيتُ في الأذانِ حتى قلتُ: أشهد أن لا إله إلا اللهوأشهد أن محمدا رسول الله وأشهدُ أن الأسودَ العنسيّ كذاب....
وكانت هذه كلمةَ السرِّ.
فأقبلَ المُسلمونَ على القصرِ من كل جانبٍ، وهبَّ الحَرسُ مذعورينَ لما سَمعوا الأذان وتلاحمَ الفريقان بعضُهم ببعضٍ.
فألقيتُ إليهم برأسِ الأسودِ من فوقِ أسوارِ القصرِ...
فلمارآهُ أنصارُه وَهَنوا ( ضعفوا ) وذهبت ريحُهم ( زالت قوتهم )، ولماأبصَرهُ المؤمنون كبَّرُوا وكروا على عدوِّهم.... وقضيِ الأمرُ قبل طلوعِالشمسِ.
* * *
- ولماأسفَرَ النهارُ ( طلع النهار ) بعثنا بِكتابٍ إلى رسولِ الله نُبشرهبِمصرع عدو الله، فلما بلغ المُبشرونَ المدينة وجدُوا النبي صلواتُ اللهعليه قد فارقَ الحياة لليلتِه ( في تلك الليلة ).
غير أنَّهم ما لبِثوا أن عِلموا أن الوحي بَشرَه بمقتلِ الأسودِ العنسي في الليلةِ التي قتل فيها...
فقال عليه الصلاةُ والسلامُ لأصحابِه: ( قتِلَ الأسودُ العنسي البارحَة... قتله رجلٌ مباركٌ من أهلِ بيتٍ مُباركين...).
فقيلَ له: من هو يا رسولُ الله؟
فقال: ( فَيروز.... فازَ فيْروزُ ).
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس مارس 14, 2024 7:21 am من طرف راوية رياض الصمادي
» مدينة أوزونغول
الأحد يوليو 26, 2015 10:31 am من طرف راوية رياض الصمادي
» مدينة ترابزون
الأحد يوليو 26, 2015 10:27 am من طرف راوية رياض الصمادي
» مدينة أسطنبول
السبت يوليو 25, 2015 4:04 pm من طرف راوية رياض الصمادي
» خريطة تركيا بشكل عام
السبت يوليو 25, 2015 3:06 pm من طرف راوية رياض الصمادي
» تحميل و تثبيت لعبة Tomb Raider 2013 عربية كامله
الأحد نوفمبر 02, 2014 5:01 pm من طرف راوية رياض الصمادي
» كلمات رائعه قيلت عن المراة
الأحد سبتمبر 08, 2013 4:02 pm من طرف SEHOT
» لله درك من ملك
الأحد سبتمبر 08, 2013 3:52 pm من طرف SEHOT
» يـاشـيـن كــســرت خــاطــره وانـدمـارتــه
الأحد سبتمبر 08, 2013 2:26 pm من طرف SEHOT